Wednesday

دمي الحر


دايما بنسمع جمل رنانة في وصف وتفخيم والتهليل لصفات الرجل الشرقي.. الجمل دي لا تهدف لوصف من تنطبق عليهم صفات الشهامة والرجولة والمجدعة. لكنها تضع كل الرجال الشرقيين في سلة واحدة.. مثل وصف الرجل الشرقي بأن "دمه حامي".. يعني غيور بطبعه.. عصبي.. يصب غضبه على أي شخص لا يرضى عنه.. ما يعجبوش الحال المايل.. يعرف "يشكم" النساء اللي في محيطه واللي ليه سطوة عليهم.. فتوة يعني


والصفات اللي بتطلق على الرجل الشرقي, المفروض أنها تعم كل صنف الرجال ممن شاء حظهم السعيد أن يولدوا في الشرق.. وفي الشرق العربي خصيصا.. على عكس الصفات التي تمجد مجدعة المرأة.. فهذه الصفات تخص امرأة بعينها, ولا تعم.. مثل "دي ست بميت راجل".. حتى لما يعوزوا يمدحوا ست, يوصفوها بإنها تملك صفات الرجال.. على أساس أنهم الجنس الشهم بطبيعته.. وأنها هي الشاذة في قطيع من النساء.. والنساء صفاتهم الأصيلة طبعا لا تحتوي على أي شهامة أو دم حامي.. دمهم بارد.. عالة على غيرهم.. عايزين ضل الراجل.. عايزين ينكسرلهم ضلع عشان يطلعلهم 24 (معرفش إزاي؟).. يتميزون بالضعف والتفاهة والاتكالية والسذاجة.. ولا مانع من انهم ضالات بالطبيعة, ويحتاجون إلى من يحكمهم ويؤدبهم ويمشيهم على الصراط المستقيم


الفلكور الشعبي عندنا ساهم في الموضوع دا كتير.. زي قصة شفيقة ومتولي كدة.. وطبعا العادات والتقاليد اللي اتربينا عليها زرعت فينا المفاهيم الغريبة دي.. اللي معظمنا استقبلها وقعد يرددها زي جهاز الراديو, من غير ما تمر على أي فلتر في عقله


أنا فاكرة زمان, أول ما ابتديت أدخل مرحلة الشباب والمراهقة, وقولت فرجت.. الواحدة كبرت وهتبتدي تحس بشخصيتها ويبقالها نوع من الاستقلالية والذات.. لقيت الدنيا ماشية بالمقلوب!.. المحاذير كترت.. وتضييق الخناق عليا بقى عمال على بطال.. و كل حاجة لأ لأ لأ.. بقت كلمة لأ هي الرد المتوقع على أي حاجة أطلبها من أهلي.. النادي لأ, رحلات لأ, السينما لأ, أعياد ميلاد صحابي لأ, حتى الشوبينج لوحدي لأ


أكيد زي أي واحدة بيحصلها كدة ف بتتصادم مع أهلها. لكن أنا مواجهاتي مع أهلي كانت مختلفة حبتين.. الموضوع ماكانش عند ولا مين يفرض إرادته على التاني. أنا كانت كل مشكلتي في انهم مش عارفين يقنعوني بأسباب الرفض. أنا شخصيا ماكانش عندي مشكلة أعتكف في البيت.. عندي مذاكرتي وعندي قرايتي وعندي الكمبيوتر وعندي التليفزيون والدش والفيديو, دا غير هواية الكتابة اللي كنت نشيطة جدا فيها.. يعني ماكانش عندي أي مشكلة في قعادي في البيت.. لكن أفهم ليه أنا ما أطلعش رحلة طالعاها المدرسة كلها؟


كعادة أهالينا جميعا, يحبوا اللف والدوران.. لكن مع حصاري ليهم كل مرة, اكتشفت ان فعلا ما فيش أي اسباب واقعية أو مقبولة أو منطقية.. الحجج ممكن تتنوع, لكنها كلها في الآخر بتصب في كوني بنت.. وطبعا ينتهي النقاش بالكلمتين إياهم اللي كرهتهم موووووت: العادات والتقاليد


أول مرة سمعت ثنائي النكد ده (العادات والتقاليد) , سألت عن معناهم. وكانت الإجابة هي ان الثنائي اللي مش مرح معناهم القواعد بتاعة المجتمع.. طبعا كان فيه نقاش طويل عن ليه القواعد دي بتفرق بين الولد والبنت.. وكان فيه مناورات كتير من والدي في الإجابة, وكان معتمد على اني هأفهم بالنباهة كدة. وأنا طبعا كنت فاهمة, لكني كنت عايزة أوصل لأصل الموضوع في جملة مفيدة


بحثت في الموضوع واكتشفت ان العادات معناها ما تعودنا عليه, وان التقاليد هي ما قلدناه عن آبائنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا.. يعني لا هي قواعد ولا قوانين. وواجهت والدي بالموضوع ده


أنا: يعني يا بابا يا حبيبي العادات والتقاليد دي حاطة البنات في دماغها مع انهم ملتزمين ومؤدبين, وسايبة الولاد على حل شعرهم مع ان معظمهم فشلة ومنحرفين

والدي: أهو دا اللي المجتمع قابله

أنا: والمجتمع يقبل دا ليه؟ هو مجتمع مجانين ولا إيه؟ ما يغيروا العادات والتقاليد المهببة دي

والدي: لما يبقوا يغيروها ابقى اعملي اللي انتي عايزاه

أنا: وهما هيغيروها امتى؟

والدي: مش هيغيروها, هما مستريحين كدة

أنا: هما مين اللي مستريحين؟ مش أنا من المجتمع؟ أنا معترضة ومش مستريحة وعاوزة أغير العادات والتقاليد

والدي (يضحك): هتغيريها ازاي بقى؟

أنا: هو مين اللي حط العادات والتقاليد دي أصلا

والدي: المجتمع اتفق عليها

أنا: أيوة يعني اتفقوا عليها ازاي؟ عرضوها في مجلس الشعب وخدوا عليها أصوات؟ ولا عملوا عليها استفتاء؟

والدي: لأ ورثناها واتربينا عليها

أنا: طيب هو احنا نمشي على أي حاجة عمياني كدة؟ ما عبدة الأصنام كانوا بيعبدوها عشان لقوا آبائهم وأجدادهم بيعبدوها.. يعني هما كانوا صح؟

والدي: لأ ماكانوش صح.. ما هو عشان كدة ربنا بعتلهم نبي

أنا: طيب ربنا بعت آخر نبي خلاص.. والمفروض يكونوا البشر اتعلموا الدرس وعرفوا انهم مايصحش يقدسوا حاجة تتنافى مع العقل والمنطق

والدي: يا بنتي هما الناس كده. دماغهم كده. عقولهم كده. هو أنا قولتلك إني موافق على العادات والتقاليد دي؟

أنا: خلاص, شِك هاندز.. أنا كمان مش موافقة عليها. بلاش بقى نمشي عليها

والدي: والناس؟ المجتمع اللي احنا عايشين فيه, هنعمل فيه إيه؟

أنا: يعني افرض اننا روحنا بلد لقينا كل اللي فيها أول ما الشمس تغيب يروحوا مولعين نار ويقعدوا يطبلوا ويصرخوا وهما بيلفوا حواليها, وان دي عاداتهم وتقاليدهم, نعمل زيهم؟

والدي: لأ

أنا: حتى لو قالوا علينا مجانين؟

والدي: آه.. لأ يا حبيبتي أنا فاهم انتي عايزة توصلي لإيه

أنا: اسمعني بس لغاية الآخر..انت طبعا مش هيهمك هما يقولوا إيه, لان نظرتهم لينا باعتبارنا مجانين ممكن تستحملها.. لكن اللي مش ممكن تستحمله هو نظرتك لنفسك لو انت عملت شيء مش مقتنع بيه لمجرد مجاراة اللي حواليك. أنا كمان يا بابا, نظرتي لنفسي لو مشيت على عادات وتقاليد بتحطني دايما في خانة المدانة واللي متهمة بشيء إلى أن يثبت العكس, واللي حابسة نفسها عشان الناس لازم هتتكلم عليها.. نظرتي لنفسي بتقتلني أكتر مليون مرة من نظرات الناس وأفكار الناس

والدي: شوفي يا حبيبتي انا كل نصايحي ليكي من خوفي عليكي. أنا واثق فيكي وربنا يعلم. وبأحمد ربنا انه رزقني بيكي وانه كملك بعقلك وشخصيتك وأخلاقك. لكن واجبي كأب اني احافظ عليكي من اي حاجة ممكن تضرك

أنا: يا بابا حجم الضرر أحنا اللي نحدده, مش الناس اللي ماشية على عادات وتقاليد ما يعرفوش مين اللي حطها, وأقطع دراعي ان اللي حطها دا يا مريض نفسي يا مجنون. العادات والتقاليد ممكن جدا تتغير, والمجتمع عمره ما هيغيرها طول ما الناس العاقلة المثقفة اللي مش راضية عنها ولا مقتنعة بيها بتمشي عليها


وفعلا اكتشفت ان العادات والتقاليد اللي بيحطها هو الأقوى حتى لو كان مجنون, مش الأعقل أو الأكثر حكمة أو الأرفع خلقا.. العادات كانت بدايتها هو الخوف من بطش الأقوى في زمن معين إلى أن تعود عليها الناس مع مرور الزمن.. ففي عهد الحاكم بأمر الله مثلا تم تحريم أكل الملوخية, وكان يحظر بيعها في السوق أو طهيها, كما حرم الجرجير, وحرم زراعة العنب, فكانت حقول العنب ينظر إليها على أنها حقول بانجو.. تزرع بها الممنوعات. وكان آكلو الملوخية مجرمين. وبحكم العادة أصبح مجرد مشاهدة هذه المحاصيل يبعث الخوف في النفوس, ويمكن تفسير هذا السلوك بمراجعة نظرية الارتباط الشرطي لبافلوف


والتقاليد بدأت أيضا بتقليد سلوك البشر الذين اتبعوا عادات معينة نشأت تحت تأثير الخوف أو بفعل الاعتقاد في اسطورة أو خرافة. فمثلا تقليد السبوع ودق الهون في أذن الطفل ذي السبعة أيام ووضعه على الأرض لتخطو الأم فوقه سبع مرات مع التبخير ورش الملح, هذه عادة قديمة, تمتد إلى عصر الفراعنة, وكان الهدف منها هو طرد الأرواح الشريرة بعيدا عن المولود, لأن نسبة الوفيات في المواليد كانت عالية جدا في السنة الأولى بعد الولادة.. وهو ما أرجعه الناس في ذلك الوقت إلى دخول روح شريرة في جسد الطفل في يومه السابع لتفتك به وهو لازال رضيعا. وحتى يومنا هذا فإن دق الطبول وضرب الشخاليل ورش الملح مع التمتمة هي طريقة معروفة لطرد الأرواح الشريرة, وتتبعها قبائل بدائية عديدة في أنحاء العالم, من آسيا إلى أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية. لكن أحدا من هؤلاء الذين يتبعون هذا التقليد لم ير في حياته أية أرواح, شريرة كانت أم طيبة.. هم فقط يقلدون ما كان يفعله أجدادهم


ومن اكتشافاتي أيضا أنني وجدت أن الخوف من الأنثى ومحاولة السيطرة عليها واخضاعها باستمرار هو عادة ذات أصول وثنية وترتبط ارتباطا وثيقا بالأساطير القديمة والخرافات التي تثار حول جسد الأنثى الذي كان يظن البشر أنه تسكنه الأرواح الشريرة, وأن هذا هو سر انفراد المرأة بالقدرة على الحمل والإنجاب. فلكم أن تتخيلوا معجزة كهذه تحدث أمام بشر بدائيين, يؤمنون بالخرافة ويترجمون كل شيء عن طريقها ويحاكون حولها الأساطير


ولما تعجبت من أن كل الصفات الايجابية تم ارتباطها بالرجل, وكل الصفات السلبية تم إلصاقها بالمرأة, بحثت في نفس الطريق لأجد الجواب. فمن المعروف أن المرأة هي أول من دعا للأخلاق والفضيلة, وهي أول من أنشأ مفهوم المجتمع, فغريزة الأمومة زرعت بها حب السلام والاستقرار والانتاج والنماء. المرأة اكتشفت اسرار الزراعة وجمعت أسرتها في قبائل وكانت هي من تقوم بتوزيع العمل ووضع النسق القيمي والأخلاقي الذي تتبعه القبيلة. فعلى عكس ما يتصوره الكثيرون وعلى عكس ما يذكر في التاريخ من أن أرسطو هو مؤسس علم الاخلاق, فسقراط, الذي تتلمذ على يده أفلاطون وهو الذي تلقى أرسطو تعليمه على يده, قد تتلمذ على يد أنثى, هي من وضعت أسس علم الفلسفة والأخلاق. لكن التاريخ, مثل كل شيء يكتبه القوي


مسألة أن المرأة هي الشرور وهي الغواية وهي باندورا التي أطلقت كل الشرور في الدنيا, هي مسألة خرافة.. وقد نتج عن هذه الخرافة العديد من العادات والتقاليد التي نسير عليها اليوم دون أن نعرف أصلها أو فصلها


لكني قررت منذ زمن طويل ألا أسير مغمضة العينين, وحتى إذا كان الطريق مظلم, فعلي أن أوقد شمعة تنيره لي ولغيري


صدق من قال أن العلم نور.. ولعنة التاريخ على من قال

يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات

موت البنت سترة

شورة المرة تأخر ميت سنة ورا

ان ماتت اختك انستر عرضك

البنت يا تسترها يا تقبرها

صوت حية ولا صوت بنيه

خلف البنات يحوج لنسب الكلاب

لما قالوا لي ولد اشتد ظهري واستند ولما قالوا لي بنية انهدت الحيطة عليا

البنت الحلوة نص مصيبة

دلع بنتك تعرك ودلع ابنك يعزك

ام البنت مسنودة بخيط … وام الولد مسنودة بحيط


إذا كان الراجل دمه حامي, فاحنا دمنا حر. نحيا بالكرامة والحرية وقوتنا ليست في إخافة الناس بالعصبية والثورة, ولكن في جلدنا وتحملنا للمسؤلية وحبنا للحياة